عناد الأطفال

 


 

عناد الأطفال: فهمه والتعامل معه بحكمة

يُعتبر العناد أحد أكثر السلوكيات التي تُقلق الآباء والأمهات، حيث يظهر الطفل وكأنه يرفض الأوامر عمدًا، ويتحدى السلطة الأبوية بطريقة قد تكون مزعجة ومحبطة. ولكن، هل العناد مجرد سلوك سيء؟ أم أنه مؤشر على شيء أعمق في نفسية الطفل؟

ما هو العناد؟

العناد هو سلوك يتسم بالمقاومة المتكررة للطلبات أو الأوامر، ويظهر من خلال رفض الطفل الاستجابة لما يُطلب منه حتى وإن كان بسيطًا. قد يُصر الطفل على تنفيذ الأمور بطريقته الخاصة، ويرفض الانصياع حتى للأوامر المنطقية.

متى يبدأ العناد بالظهور؟

يبدأ العناد غالبًا في مرحلة الطفولة المبكرة، بين عمر سنتين وخمس سنوات، ويُعد جزءًا طبيعيًا من النمو النفسي للطفل، إذ يبدأ بتكوين شخصية مستقلة. وقد يتصاعد إذا لم يتم التعامل معه بشكل تربوي سليم.

أنواع العناد عند الأطفال

  1. العناد الطبيعي: وهو عناد ناتج عن رغبة الطفل في تأكيد ذاته، ويظهر غالبًا بين عمر سنتين وخمس سنوات.
  2. العناد المرضي: يتسم بالإصرار الدائم والمفرط، حتى في الأمور التافهة، وقد يدل على اضطراب نفسي يحتاج إلى تدخل مختص.
  3. العناد الدفاعي: يظهر عند الأطفال الذين يشعرون بالإجبار أو الضغط، فيلجؤون للعناد كوسيلة لحماية أنفسهم.
  4. العناد التقليدي: عندما يقلّد الطفل أحد والديه أو إخوته في سلوك العناد، دون إدراك لأسبابه.

أسباب عناد الأطفال

  • الرغبة في الاستقلال: يسعى الطفل إلى إثبات ذاته وقدرته على اتخاذ قرارات بنفسه.
  • الضغط الأسري: كثرة الأوامر أو التهديدات تدفع الطفل إلى التمرد كرد فعل طبيعي.
  • غياب التواصل الفعّال: عندما لا يشعر الطفل أنه مسموع، يستخدم العناد كوسيلة تعبير.
  • الشعور بالإهمال أو الغيرة: خاصة في حال وجود إخوة يُمنحون اهتمامًا أكبر.
  • البيئة الأسرية غير المستقرة: كثرة المشاكل أو الطلاق تؤثر في توازن الطفل النفسي.
  • استخدام العنف أو العقاب الجسدي: ما يؤدي إلى رد فعل مقاوم ومتمرد.

علامات العناد المفرط

  • رفض تنفيذ التعليمات البسيطة بشكل متكرر.
  • الرد بالصراخ أو الغضب عند الطلب منه القيام بشيء.
  • التمسك برأيه حتى إن كان خاطئًا.
  • استفزاز الوالدين عمدًا.
  • رفض التعاون مع المعلمين أو مقدمي الرعاية.

الفرق بين العناد الطبيعي والمَرَضي

العناد الطبيعي يكون متقطعًا ومحدودًا، ويظهر غالبًا في مواقف محددة مثل وقت النوم أو تناول الطعام. أما العناد المرضي فهو مستمر ومفرط، ويترافق غالبًا مع سلوكيات عدوانية أو عزلة أو اضطرابات نفسية أخرى.

كيفية التعامل مع الطفل العنيد

1. الاستماع إليه وفهم مشاعره

قد يكون الطفل بحاجة فقط إلى من يسمعه ويفهم وجهة نظره. أظهر له أنك تهتم برأيه، حتى لو لم توافق عليه.

2. تجنّب أسلوب الأوامر المباشرة

الأوامر المباشرة قد تُثير عناد الطفل، بينما صيغة السؤال أو العرض تعطيه شعورًا بالاختيار.

3. إعطاؤه خيارات بدلاً من أوامر

بدلاً من قول "البس ملابسك الآن"، قل: "هل تفضل أن تلبس القميص الأزرق أم الأحمر؟"

4. الالتزام بالهدوء وعدم الصراخ

الانفعال يُغذي عناد الطفل. الهدوء يجعله يشعر بالأمان والاستقرار ويقلل من توتره.

5. استخدام التعزيز الإيجابي

كافئ السلوك الإيجابي وشجّع عليه، ولو بكلمة طيبة أو ابتسامة.

6. تحديد العواقب بهدوء وثبات

إذا أصر الطفل على العناد، ضع له عواقب واضحة (غير عنيفة) كحرمانه من لعبة لمدة معينة، وكن ثابتًا في تطبيقها.

7. قضاء وقت نوعي معه

الطفل يحتاج إلى الشعور بالحب والاهتمام، وقضاء وقت ممتع معك يعزز من ثقته بك ويخفف من عناده.

مواقف يومية: كيف تتصرف؟

رفض ارتداء الملابس

قدّم له اختيارات، أو حول الأمر إلى لعبة مثل سباق الملابس، ولا تجعله معركة.

رفض تناول الطعام

اشركه في تحضير الطعام، وقدم الوجبة بطريقة ممتعة وملونة. لا تجبره، بل حفزه بلطف.

رفض الواجبات المنزلية

اجعل من وقت الدراسة نشاطًا مشتركًا، وقلل من التشتيت، وامنحه فترات راحة قصيرة.

أخطاء شائعة في التعامل مع الطفل العنيد

  • الصراخ أو الضرب.
  • التقليل من شأن مشاعره أو السخرية منها.
  • تهديده بحرمانه من الحب أو العلاقة.
  • استخدام أساليب مقارنة مع أطفال آخرين.
  • عدم الاتفاق بين الوالدين على أسلوب موحد في التربية.

متى نلجأ لاختصاصي؟

إذا كان عناد الطفل مستمرًا، ويترافق مع أعراض مثل العدوانية، أو الكذب المتكرر، أو القلق الزائد، أو التبول اللاإرادي، يُستحسن استشارة اختصاصي نفسي أطفال لتقييم الحالة بدقة وتقديم التوجيه المناسب.

العناد كإشارة ذكاء واستقلال

في كثير من الحالات، يُشير العناد إلى امتلاك الطفل شخصية قوية وقدرة على التفكير المستقل. لا يجب أن يُنظر إليه فقط كسلوك سيء، بل كمجال يمكن توجيهه إيجابيًا نحو القيادة والثقة بالنفس.

دور المدرسة في التعامل مع الطفل العنيد

  • العمل مع الأسرة على خطة تربوية مشتركة.
  • توفير بيئة صفية داعمة وغير قمعية.
  • مراعاة الفروق الفردية في الشخصيات.
  • تشجيع الطفل بدلًا من لومه أمام زملائه.

الأساليب التربوية الحديثة في التعامل مع العناد

  1. الذكاء العاطفي: ساعد طفلك على تسمية مشاعره والتعبير عنها بطرق صحية.
  2. التربية الإيجابية: تركز على الفهم والدعم بدلًا من العقاب.
  3. أسلوب الحزم اللطيف: يجمع بين الثبات واللطف في آنٍ واحد.

قصص واقعية ونماذج ناجحة

سارة، أم لطفل يبلغ من العمر 4 سنوات، كانت تعاني من عناده اليومي عند الذهاب للمدرسة. بعد أن بدأت بالحديث معه في هدوء، وسمحت له باختيار ملابسه بنفسه، تغير سلوكه تدريجيًا. تؤكد سارة أن "الفرق كان واضحًا بعد أن شعرت أنه بدأ يثق بي ويتعامل معي كصديق".

خاتمة

عناد الأطفال ليس تهديدًا، بل فرصة لفهم مشاعرهم وتوجيه سلوكهم. التعامل مع العناد بحكمة وصبر يجعل منه وسيلة لبناء شخصية قوية ومتزنة. وتذكر دائمًا أن علاقتك بطفلك هي الأساس، وكل ما تبنيه من حب وتفاهم اليوم سيُثمر غدًا ثقة واستقلالًا وإبداعًا.

الكاتب والناشر :
سلمى 
إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم