أهمية العناق عند الأطفال والأولاد بصفة عامة: لماذا يحتاج أطفالنا إلى الأحضان؟
في زحمة الحياة اليومية، ننسى أحيانًا أبسط الأشياء التي تترك أعظم الأثر في نفسية الطفل، مثل العناق. كثير من الآباء والأمهات يغفلون عن أهمية العناق، ويعتبرونه مجرد تعبير عاطفي بسيط، بينما أثبتت الدراسات أن العناق له تأثير عميق على النمو النفسي والجسدي للأطفال، وعلى سلوكياتهم وشعورهم بالأمان والانتماء.
في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل أهمية العناق عند الأطفال، فوائده المتعددة، كيف يؤثر على نموهم العاطفي، ولماذا هو حاجة أساسية وليست رفاهية.
ما هو العناق من وجهة نظر نفسية؟
العناق هو تلامس جسدي محمّل بالمشاعر، ينقل الحب، الحنان، الطمأنينة، والدعم. إنه وسيلة تواصل غير لفظية يشعر من خلالها الطفل بأنه محبوب ومقبول دون شرط. إنه لغة عالمية يفهمها الطفل قبل أن يتقن الكلمات.
العناق حاجة أساسية وليست كمالية
كما يحتاج الطفل للطعام والماء والنوم لينمو جسديًا، يحتاج للعناق لينمو نفسيًا وعاطفيًا. إنه يغذي المشاعر، ويمنح الطفل شعورًا بالاحتواء. وغيابه قد يؤدي إلى شعور بالرفض أو انعدام الأمان.
فوائد العناق للأطفال
1. تعزيز الشعور بالأمان والانتماء
عندما يُحتضن الطفل بانتظام، يشعر بأنه محبوب ومقبول، مما يعزز ثقته بنفسه ويُقلل من القلق.
2. تقوية الروابط الأسرية
العناق يقوّي العلاقة بين الطفل ووالديه أو من يعتني به، ويزيد من الترابط العاطفي داخل الأسرة.
3. تهدئة المشاعر وتقليل نوبات الغضب
أثناء الغضب أو البكاء، العناق يساعد في تهدئة الجهاز العصبي للطفل، ويعيده إلى حالة التوازن العاطفي.
4. تحفيز إفراز هرمون الأوكسيتوسين
وهو "هرمون الحب"، المسؤول عن مشاعر السعادة والارتباط، ويقلل من مستوى هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر.
5. تحسين النمو الجسدي والمناعي
الدراسات تشير إلى أن الأطفال الذين يتلقون الحنان والعناق لديهم جهاز مناعة أقوى ونمو جسدي أفضل.
العناق في مراحل الطفولة المختلفة
في مرحلة الرضاعة:
العناق المستمر للرضيع يعزز ارتباطه بالأم، ويشعره بالأمان، ويساعد في تنظيم دقات قلبه وتنفسه.
في الطفولة المبكرة (2–6 سنوات):
الطفل في هذه المرحلة لا يزال يعتمد على العناق كمصدر رئيسي للشعور بالحب. يحتاج إلى عناق صباحي، عناق عند العودة من الروضة، وعناق قبل النوم.
في الطفولة المتوسطة (7–11 سنة):
رغم نضجه النسبي، لا يزال الطفل يحتاج للعناق، ولكن بطريقة تحترم خصوصيته ونموه. العناق قد يكون أحيانًا رمزيًا مثل الربت على الظهر أو لمسة حنونة.
في سن المراهقة:
قد يبدو المراهق غير مهتم بالعناق، لكنه في الحقيقة يحتاجه، ولكن بأسلوب يتناسب مع شعوره بالاستقلالية. عناق سريع، أو يد على الكتف، تُعني الكثير.
كم مرة يجب أن نعانق أطفالنا؟
عبارة شهيرة للدكتورة فيرجينيا ساتير تقول: "نحتاج إلى أربعة أحضان يوميًا للبقاء، وثمانية أحضان للصحة الجيدة، واثني عشر عناقًا للنمو."
ليست الكمية فقط ما يهم، بل الجودة أيضًا. عناق صادق، بكامل التركيز، دون هاتف في اليد، يمكنه أن يعيد بناء الثقة والارتباط بين الطفل وأهله.
هل يختلف العناق بين الذكور والإناث؟
ثقافيًا، يُشجَّع أحيانًا عناق البنات أكثر من الأولاد. لكن علميًا، كلاهما يحتاج للعناق بالتساوي. تجاهل احتياج الذكور للعناق بحجة أنهم "رجال" يسبب فراغًا عاطفيًا كبيرًا قد يؤثر على سلوكهم واستقرارهم لاحقًا.
أضرار غياب العناق عن حياة الطفل
- الشعور بعدم القبول أو الرفض.
- انخفاض احترام الذات.
- زيادة احتمالية ظهور السلوك العدواني أو الانطوائي.
- ضعف المهارات الاجتماعية والعاطفية.
العناق وسلوك الطفل
عناق الطفل لا يعني تدليله أو إفساده، بل هو أحد مفاتيح تعديل السلوك. الطفل الذي يشعر بالحب والاحتواء أقل ميلاً للكذب أو التمرد أو الانطواء.
هل العناق يُستخدم كعقاب إيجابي؟
في بعض المدارس التربوية الحديثة، يُنصح بعناق الطفل الغاضب بدلاً من الصراخ عليه. لأنه يُشعره بأنه محبوب حتى في لحظات الخطأ، مما يرسّخ لديه التعاطف والمسؤولية.
عناق ما قبل النوم: سحر تربوي
عناق صغير قبل النوم يُنهي اليوم بسلام، ويُرسل للطفل رسالة غير مباشرة: "أنا هنا، أحبك، أنت في أمان". هذه الرسالة تُعزز ثقته بنفسه وتجعله يستيقظ متوازنًا نفسيًا.
مواقف يومية للعناق
- بعد عودته من المدرسة أو الروضة.
- عند شعوره بالحزن أو الخوف.
- قبل النوم مباشرة.
- عند تحقيقه أي إنجاز ولو بسيط.
- عندما يُخطئ ويحتاج للاحتواء.
عناق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
هؤلاء الأطفال يحتاجون لعناق أكثر من غيرهم، إذ يواجهون تحديات إضافية في التواصل والتعبير. العناق هنا ليس عاطفة فقط، بل وسيلة علاجية تساعد في تهدئة القلق وتحفيز التفاعل.
قصة واقعية: كيف غيّر العناق سلوك طفل
هشام، طفل في السابعة، كان يعاني من نوبات غضب متكررة. أمه بدأت تطبّق معه "عناق الـ 20 ثانية" في لحظات الغضب. في البداية كان يقاوم، ثم أصبح يهدأ تدريجيًا، ثم بدأ يطلب العناق بنفسه حين يشعر بالغضب. بعد شهرين، اختفت نوبات الغضب تقريبًا.
رسائل غير لفظية ينقلها العناق
- "أنا أحبك كما أنت."
- "أنت لست وحدك."
- "أنا هنا من أجلك."
- "كل شيء سيكون على ما يرام."
خاتمة
العناق ليس مجرد تلامس جسدي، بل هو غذاء للروح. طفل اليوم الذي يتلقى العناق والاحتواء، سيكون غدًا بالغًا واثقًا، عطوفًا، متوازنًا. دعونا لا نبخل بأحضاننا، فهي أبسط ما يمكن أن نقدمه، وأعمق ما يمكن أن يزرع الأمان في قلوب أطفالنا.
عانق طفلك كل يوم، ليس فقط عندما ينجح أو يفرح، بل خصوصًا عندما يخطئ أو ينكسر. فالعناق وقت الحاجة هو أصدق تعبير عن الحب غير المشروط.
الكاتب والناشر: سلمى